الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة معرض «صيحة الصمت» لنبيل سامي: صرخات من عالم لفّه غبار النسيان

نشر في  29 أفريل 2014  (12:08)

من هذه الأرض الولاّدة، تدّفق النسغ الحي، تدّفق الدم وتدفقت أرواح أبناء هذا الوطن الذي تفجّر كما البركان.. بركان من الأصوات المكتومة، من الكيانات المحرومة ومن الضمائر المقهورة... من هذه الأرض المكلومة، انطلق الفنان التشكيلي نبيل سامي ليرسم وينحت بمواده وألوانه وأضوائه ابداعات فنية قدّمها في معرض «صيحة صمت» وذلك في إيحاء للحناجر المخنوقة التي ضاع حقها قبل وبعد الثورة...

فمنذ أن تدلف رواق «صلاح الدين» الكائن بمدينة سيدي بوسعيد، تجد نفسك في مواجهة مباشرة مع 6 منحوتات تحدجك بنظراتها لتذكّرك بالوجوه التي فدت حياتها وضحت بنفوسها قبل أن تلتحق بالأبدية في صمت... وجوه تحمل وشم الذاكرة الحية، ذاك الذي يروي الوجيعة والخديعة والتهميش.

ثم تتوالى لوحات الفنان نبيل سامي التي تجمع بين النحت والرسم لتعبر عن الطاقة التي كُبتت في هذا الوطن،  والتي حوصرت قبل أن تنفجر على أديم أرض موجوعة... فعبرت إحدى اللوحات عن الأصوات التي حرمت من التعبير، ومازال بعضها الى حد الآن عاجزا عن إيجاد فجوات للقول وإثبات الذات، وجاءت اللوحة حبلى بأفواه تحاول التخلص من قيود القمع ومن القشور-المكبلات التي سجنتها طيلة عقود...

وجسدت لوحة أخرى أرض في حالة دوران، أرضا نُقشت عليها كتاتيب من الماضي، تعاويذ وتمائم حاصرتها لتظلّ حبيسة دوران ما ورؤية ما بعيدا عن التحرر المنشود وعن الانفلات الانساني المطلوب.

وأمّا منحوتة «أيادي الثورة»، فقد جسّد فيها النحات كل الطاقة الحيوية التي صنعت الثورة، تلك الأيادي أو بالأحرى تلك العزيمة والروح الشعبية القادرة على إسقاط أعتى الديكتاتوريات وأقساها...

وتداخلت في لوحة «سونتريفوج» ألوان الأحمر القاني رمز الدم الذي روى أرض تونس مع خضرة أراضيها ليعكس الفنان المفارقة الكبرى بين بلد محب وأرض ولاّدة وبين أبناء قهروا وقمعوا ولم يعثروا على حقهم بسبب فساد الساسة الذين لم يحاولوا إتاحة الكرامة وتوفير العيش الكريم للمواطنين.

من خلال «صيحة صمت» سعى الفنان نبيل سامي الى نثر اكاليل المجد الإنساني هنا وهناك، فأخذت الوجوه التي صنعها بعدا ملحميا رمزيا يقول الكثير عن هؤلاء الأشخاص الذين خنقت أصواتهم وطمست كياناتهم وأحبطت عزائمهم حتى باتوا مجرّد كائنات تسبح في بحر من العدم...

قبل أن يظهر الحق وقبل أن تعود التوازنات الى صوابها، توقف الفنان نبيل سامي ليلتقط صورة فنية عن حالة الاحتقان التي يعيشها الانسان المحروم من التعبير عن ذاته، عن الإنسان الذي اهملت انسانيته لكنه قاوم وصمد وألّح على إثبات وجوده...

أكاليل مجد هنا، وجوه غاضبة هناك، طاقات مقهورة هنا وقوة لا متناهية هناك... هي بعض الصور التي رسمها الفنان نبيل سامي في معرض «صيحة الصمت» لينقل كل الصرخات المكتومة، تلك الأصوات التي لم تلق الصدى الذي يناسبها في عالم لفّه غبار النسيان.

شيراز بن مراد